بسبب تسهيلات الإقامة.. إسبانيا تتحول إلى ملاذ مفضّل للفارين من العدالة الدولية
بسبب تسهيلات الإقامة.. إسبانيا تتحول إلى ملاذ مفضّل للفارين من العدالة الدولية
تحوّلت إسبانيا منذ سنوات إلى وجهة مفضلة للفارين من العدالة، مستفيدة من طقسها المشمس، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وتسهيلات الإقامة التي تجعل من الاختباء على أراضيها أمراً أكثر سهولة مقارنة بدول أوروبية أخرى.
لكن هذا الوضع تغيّر تدريجياً، مع تكثيف السلطات الأمنية الإسبانية جهودها لتعقّب الهاربين، ما أدى إلى اعتقال أعداد متزايدة من المطلوبين في قضايا جنائية خطيرة، وفق وكالة "فرانس برس".
وأفاد رئيس قسم تعقّب الهاربين في الشرطة الإسبانية، الضابط فرناندو غونزاليس، أن وحدته ألقت القبض العام الماضي على 460 شخصاً فاراً من وجه العدالة، مقارنة بـ390 فقط في عام 2023، معظمهم من الجنسيات الأجنبية.
وقال غونزاليس: "نقوم يومياً بتوقيف أفراد فارين من العدالة.. إسبانيا لا تزال مغرية للغاية بالنسبة للضالعين في النشاط الإجرامي".
وأكد غونزاليس أن قسمه، الذي تأسس عام 2004 ويضم نحو 20 شرطياً متخصصاً، يواصل عملياته بوتيرة متسارعة، مشيراً إلى أن اعتقالات هذا العام تسير بنفس الوتيرة المرتفعة.
أسماء بارزة وعصابات دولية
وشهدت الأشهر الأخيرة توقيف عدد من الشخصيات الإجرامية البارزة، مثل الصربي نيكولا فوسوفيتش، زعيم عصابة كافاك، الذي تم اعتقاله في برشلونة، وكذلك عمر لويس كاستانيدا، زعيم كارتل بيروفي متورط في 16 جريمة قتل، وقد تم توقيفه قرب مدينة أليكانتي.
وفي فبراير الماضي، أُلقي القبض على أحد أفراد كوماندوز فرنسي يُدعى فرناندو د.، كان شارك في عملية هروب دراماتيكية من سجن فرنسي أسفرت عن مقتل ضابطين في مايو، حيث كان مختبئاً في فيلا فاخرة في مقاطعة ملقة.
وأوضح المحقق الفرنسي كارلوس باوتيستا، المتخصص في قضايا تسليم المجرمين، أن إسبانيا تشكّل نقطة التقاء طبيعية بين أوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، ما يجعلها موقعاً مغرياً للمجرمين الباحثين عن ملاذ.
وقال: "العديد من المطلوبين ينجذبون إلى إسبانيا بفضل مناخها المشمس، وأسلوب الحياة غير المعقد، وسهولة تأجير الفلل ذات المسابح دون لفت الأنظار".
وأضاف أن الكثافة السياحية العالية، ووجود جاليات أجنبية كبيرة، مثل البريطانيين والفرنسيين والألمان، تسهّل على الهاربين الاندماج وتجنب الشبهات.
وأشار إلى حالة سابقة لامرأة ألمانية عاشت سنوات في جزر البليار دون أن تتحدث الإسبانية.
الجنوب وجهة مفضلة
ركّزت تقارير الشرطة على أن معظم الهاربين يفضلون الاستقرار في المناطق الساحلية، وخاصة في إقليم كاتالونيا وجنوب الأندلس، ولا سيما مدن كوستا ديل سول مثل ملقة وماربيا، حيث تتوافر الفيلات والمرافق السياحية.
وقال غونزاليس: "الهاربون يختبئون عادة في هذه المناطق، ولكننا ننجح في تعقبهم، حتى لو تطلب ذلك أشهراً من المراقبة والملاحقة".
وأكّد المسؤولون أن توقيف الهاربين لا يتم من خلال الصدفة، بل نتيجة عمليات دقيقة تشمل مراقبة الاتصالات، وتحليل البيانات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتنصت، والتنسيق مع الأجهزة الأمنية في دول أخرى من خلال شبكة "إنفاست" الأوروبية.
ويقول باوتيستا إن "إسبانيا أصبحت إحدى أنشط الدول الأوروبية في ما يخص تسليم المجرمين، فحتى إن تأخر القبض عليهم، فإن نهايتهم المحتومة تكون خلف القضبان".
"صبر الصياد" عنوان المهمة
داخل مكاتب وحدة تعقّب الهاربين، المليئة بالصور والخرائط والتذكارات من العمليات السابقة، يظهر شعار مكتوب بخط واضح: "صبر الصياد هو أعظم صفات المحقق".
ويختم غونزاليس بالقول: "قد يتمكّن بعض الهاربين من العيش بهدوء لسنوات فوق أرضنا... لكن هذا لا يعني أنهم سينجون من قبضة العدالة إلى الأبد".